الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الشفا بتعريف حقوق المصطفى ***
وَأَمَّا الشَّفَقَةُ، وَالرَّأْفَةُ، وَالرَّحْمَةُ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التَّوْبَةِ: 128]. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 107]. قَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ فَضْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَاهُ اسْمَيْنِ مِنْ أَسْمَائِهِ، فَقَالَ: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. وَحَكَى نَحْوَهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ . [حَدَّثَنَا الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَشَبِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْجُلُودِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ , حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، أَنْبَأَنَا يُونُسُ] عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً، وَذَكَرَ حُنَيْنًا، قَالَ: فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِنَ النَّعَمِ، ثُمَّ مِائَةً، ثُمَّ مِائَةً. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ صَفْوَانَ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي مَا أَعْطَانِي، وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ. وَرَوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًا جَاءَهُ يَطْلُبُ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟». قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَا وَلَا أَجْمَلْتَ. فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَامُوا إِلَيْهِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ كُفُّوا، ثُمَّ قَامَ، وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، وَزَادَهُ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: [أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟] قَالَ: نَعَمْ، فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ، وَعَشِيرَةٍ خَيْرًا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكَ قُلْتَ مَا قُلْتَ، وَفِي أَنْفُسِ أَصْحَابِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَقُلْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مَا قُلْتَ بَيْنَ يَدَيَّ حَتَّى يَذْهَبَ مَا فِي صُدُورِهِمْ عَلَيْكَ». قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَوِ الْعَشِيُّ جَاءَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ قَالَ مَا قَالَ، فَزِدْنَاهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ رَضِيَ، أَكَذَلِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ، وَعَشِيرَةٍ خَيْرًا. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي، وَمَثَلُ هَذَا مَثَلُ رَجُلٍ لَهُ نَاقَةٌ شَرَدَتْ عَلَيْهِ، فَأَتْبَعَهَا النَّاسُ فَلَمْ يَزِيدُوهَا إِلَّا نُفُورًا، فَنَادَاهُمْ صَاحِبُهَا: خَلُّوا بَيْنِي، وَبَيْنَ نَاقَتِي، فَإِنِّي أَرْفَقُ بِهَا مِنْكُمْ، وَأَعْلَمُ، فَتَوَجَّهَ لَهَا بَيْنَ يَدَيْهَا، فَأَخَذَ لَهَا مَنْ قُمَامِ الْأَرْضِ، فَرَدَّهَا حَتَّى جَاءَتْ، وَاسْتَنَاخَتْ، وَشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا، وَاسْتَوَى عَلَيْهَا، وَإِنِّي لَوْ تَرَكْتُكُمْ حَيْثُ قَالَ الرَّجُلُ مَا قَالَ فَقَتَلْتُمُوهُ دَخَلَ النَّارَ». وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ، وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ». وَمِنْ شَفَقَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخْفِيفُهُ، وَتَسْهِيلُهُ عَلَيْهِمْ، وَكَرَاهَتُهُ أَشْيَاءَ مَخَافَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، كَقَوْلِهِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ-: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ». وَخَبَرُ صَلَاةِ اللَّيْلِ. وَنَهْيُهُمْ عَنِ الْوِصَالِ. وَكَرَاهَتُهُ دُخُولَ الْكَعْبَةِ لِئَلَّا تَتَعَنَّتَ أُمَّتُهُ. وَرَغْبَتُهُ لِرَبِّهِ أَنْ يَجْعَلَ سَبَّهُ وَلَعْنَهُ لَهُمْ رَحْمَةً بِهِمْ، وَأَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِهِ. وَمِنْ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ دَعَا رَبَّهُ، وَعَاهَدَهُ، فَقَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً، وَرَحْمَةً، وَصَلَاةً، وَطَهُورًا، وَقُرْبَةً فَقَرِّبْهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وَلَمَّا كَذَّبَهُ قَوْمُهُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ أَمَرَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَاهُ مَلَكُ الْجِبَالِ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مُرْنِي بِمَا شِئْتَ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». وَرَوَى ابْنُ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ السَّمَاءَ، وَالْأَرْضَ، وَالْجِبَالَ أَنْ تُطِيعَكَ. فَقَالَ: «أُؤَخِّرُ عَنْ أُمَّتِي لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ». قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا رَكِبَتْ بَعِيرًا، وَفِيهِ صُعُوبَةٌ، فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ».
وَأَمَّا خُلُقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَفَاءِ، وَحُسْنِ الْعَهْدِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ [فَحَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَامِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْحَبَّالُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ النَّحَّاسِ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ بُدَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَفِيقٍ، عَنْ أَبِيهِ]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْحَمْسَاءِ، قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ، فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا فِي مَكَانِهِ فَنَسِيتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ فِي مَكَانِهِ فَقَالَ: «[يَا فَتَى، لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَيَّ، أَنَا هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثٍ أَنْتَظِرُكَ]». وَعَنْ أَنَسٍ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُتِيَ بِهَدِيَّةٍ قَالَ: «اذْهَبُوا بِهَا إِلَى بَيْتِ فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةً لِخَدِيجَةَ، إِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَةَ». وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيُهْدِيهَا إِلَى حَلَائِلِهَا. وَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ أُخْتُهَا فَارْتَاحَ إِلَيْهَا. وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ، فَهَشَّ لَهَا، وَأَحْسَنَ السُّؤَالَ عَنْهَا، فَلَمَّا خَرَجَتْ قَالَ: «إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا أَيَّامَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ». وَوَصَفَهُ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: كَانَ يَصِلُ ذَوِي رَحِمِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْثِرَهُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ آلَ أَبِي فُلَانٍ لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ غَيْرَ أَنَّ لَهُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا». وَقَدْ صَلَّى- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ السَّلَامُ- بِأُمَامَةَ ابْنَةِ ابْنَتِهِ يَحْمِلُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا سَجَدَ، وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا. وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ : ( وَفَدَ ) وَفْدٌ لِلنَّجَاشِيِّ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْدِمُهُمْ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: نَكْفِيكَ. فَقَالَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا لِأَصْحَابِنَا مُكْرِمِينَ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُكَافِئَهُمْ». وَلَمَّا جِيءَ بِأُخْتِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ الشَّيْمَاءِ فِي سَبَايَا هَوَازِنَ، وَتَعَرَّفَتْ لَهُ بَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ، وَقَالَ لَهَا: «إِنْ أَحْبَبْتِ أَقَمْتِ عِنْدِي مُكَرَّمَةً مُحَبَّبَةً، أَوْ مَتَّعْتُكِ، وَرَجَعْتِ إِلَى قَوْمِكِ» فَاخْتَارَتْ قَوْمَهَا فَمَتَّعَهَا. وَقَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا غُلَامٌ إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ حَتَّى دَنَتْ مِنْهُ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ، فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: أُمُّهُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ السَّائِبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا يَوْمًا، فَأَقْبَلَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَوَضَعَ لَهُ بَعْضَ ثَوْبِهِ، فَقَعَدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ أُمُّهُ فَوَضَعَ لَهَا شِقَّ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الْآخَرِ فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَكَانَ يَبْعَثُ إِلَى ثُوَيْبَةَ مَوْلَاةِ أَبِي لَهَبٍ مُرْضِعَتِهِ بِصِلَةٍ، وَكِسْوَةٍ، فَلَمَّا مَاتَتْ سَأَلَ: «مَنْ بَقِيَ مِنْ قَرَابَتِهَا» فَقِيلَ لَا أَحَدَ. وَفِي حَدِيثِ خَدِيجَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لَا يُحْزِنُكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينَ عَلَى نَوَائِبَ الْحَقِّ.
وَأَمَّا تَوَاضُعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى عُلُوِّ مَنْصِبِهِ، وَرِفْعَةِ رُتْبَتِهِ فَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ تَوَاضُعًا، وَأَعْدَمَهُمْ كِبْرًا. وَحَسْبُكَ أَنَّهُ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا، فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا عَبْدًا، فَقَالَ لَهُ إِسْرَافِيلُ عِنْدَ ذَلِكَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَاكَ بِمَا تَوَاضَعْتَ لَهُ أَنَّكَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْهُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ. [حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ الْعَوَّادِ الْفَقِيهُ- رَحِمَهُ اللَّهُ- بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ بِقُرْطُبَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنَا ابْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ، عَنْ أَبِي الْعَدَبَّسِ، عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ]، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصَا، فَقُمْنَا لَهُ. فَقَالَ: «لَا تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الْأَعَاجِمُ، يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا». وَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ». وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيُرْدِفُ خَلْفَهُ، وَيَعُودُ الْمَسَاكِينَ، وَيُجَالِسُ الْفُقَرَاءَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ، وَيَجْلِسُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ مُخْتَلِطًا بِهِمْ حَيْثُمَا انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسُ جَلَسَ. وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ». وَعَنْ أَنَسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ جَاءَتْهُ، فَقَالَتْ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَّةً قَالَ: اجْلِسِي يَا أُمَّ فُلَانٍ فِي أَيِّ طُرُقِ الْمَدِينَةِ شِئْتِ أَجْلِسُ إِلَيْكِ حَتَّى أَقْضِيَ حَاجَتَكِ. قَالَ: فَجَلَسَتْ، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا. قَالَ أَنَسٌ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ، وَكَانَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى حِمَارٍ مَغْطُومٍ بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ عَلَيْهِ إِكَافٌ. قَالَ: وَكَانَ يُدْعَى إِلَى خُبْزِ الشَّعِيرِ وَالْإِهَالَةِ السَّنِخَةِ فَيُجِيبُ. قَالَ: وَحَجَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ، وَعَلَيْهِ قَطِيفَةٌ مَا تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا لَا رِيَاءَ فِيهِ، وَلَا سُمْعَةً». هَذَا، وَقَدْ فُتِحَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ، وَأَهْدَى فِي حَجِّهِ ذَلِكَ مِائَةَ بَدَنَةٍ، وَلَمَّا فُتِحَتْ عَلَيْهِ مَكَّةُ، وَدَخَلَهَا بِجُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ طَأْطَأَ عَلَى رَحْلِهِ رَأْسَهُ حَتَّى كَادَ يَمَسُّ قَادِمَتَهُ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ تَوَاضُعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ: «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ- ابْنِ مَتَّى- وَلَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَلَوْ لَبِثْتُ مَا لَبِثَ يُوسُفُ فِي السِّجْنِ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ». وَقَالَ لِلَّذِي قَالَ لَهُ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ: ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَعَنْ عَائِشَةَ، وَالْحَسَنِ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَغَيْرِهِمْ فِي صِفَتِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ: وَكَانَ فِي بَيْتِهِ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلِبُ شَاتَهُ، وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ، وَيَقُمُّ الْبَيْتَ، وَيَعْقِلُ الْبَعِيرَ، وَيَعْلِفُ نَاضِحَهُ، وَيَأْكُلُ مَعَ الْخَادِمِ، وَيَعْجِنُ مَعَهَا، وَيَحْمِلُ بِضَاعَتَهُ مِنَ السُّوقِ. وَعَنْ أَنَسٍ:- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتَهَا. وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَأَصَابَتْهُ مِنْ هَيْبَتِهِ رِعْدَةٌ فَقَالَ لَهُ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ». وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: دَخَلْتُ السُّوقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَرَى سَرَاوِيلَ، وَقَالَ لِلْوَزَّانِ: «زِنْ، وَأَرْجِحْ، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ قَالَ: فَوَثَبَ إِلَى يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُهَا، فَجَذَبَ يَدَهُ، وَقَالَ: هَذَا تَفْعَلُهُ الْأَعَاجِمُ بِمُلُوكِهَا، وَلَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ. ثُمَّ أَخَذَ السَّرَاوِيلَ، فَذَهَبْتُ لِأَحْمِلَهُ، فَقَالَ: صَاحِبُ الشَّيْءِ أَحَقُّ بِشَيْئِهِ أَنْ يَحْمِلَهُ».
وَأَمَّا عَدْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَانَتُهُ، وَعِفَّتُهُ، وَصِدْقُ لَهْجَتِهِ فَكَانَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – آمَنَ النَّاسِ، وَأَعْدَلَ النَّاسِ، وَأَعَفَّ النَّاسِ، وَأَصْدَقَهُمْ لَهْجَةً مُنْذُ كَانَ اعْتَرَفْ لَهُ بِذَلِكَ مُحَادُّوهُ، وَعِدَاهُ. وَكَانَ يُسَمَّى قَبْلَ نَبُّوتِهِ الْأَمِينَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : كَانَ يُسَمَّى الْأَمِينَ بِمَا جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الصَّالِحَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التَّكْوِيرِ: 21]: أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ، وَتَحَازَبَتْ عِنْدَ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ فِيمَنْ يَضَعُ الْحَجْرَ حَكَّمُوا أَوَّلَ دَاخِلٍ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاخِلٌ، وَذَلِكَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ، فَقَالُوا: هَذَا مُحَمَّدٌ الْأَمِينُ قَدْ رَضِينَا بِهِ. وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ : كَانَ يَتَحَاكَمُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَمِينٌ فِي السَّمَاءِ أَمِينٌ فِي الْأَرْضِ». [حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيُّ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى بْنُ زَوْجِ الْحُرَّةِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ الْمَرْوَزِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ]، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَا نُكَذِّبُكَ، وَلَكِنْ نُكَذِّبُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ} [الْأَنْعَامِ: 33] الْآيَةَ. وَرَوَى غَيْرُهُ: لَا نُكَذِّبُكَ، وَمَا أَنْتَ فِينَا بِمُكَذَّبٍ. وَقِيلَ: إِنَّ الْأَخْنَسَ بْنَ شُرَيْقٍ لَقِيَ أَبَا جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْحَكَمِ لَيْسَ هُنَا غَيْرِي، وَغَيْرُكَ يَسْمَعُ كَلَامَنَا، تُخْبِرُنِي عَنْ مُحَمَّدٍ، صَادِقٌ هُوَ أَوْ كَاذِبٌ؟ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَصَادِقٌ، وَمَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ قَطُّ. وَسَأَلَ هِرَقْلُ عَنْهُ أَبَا سُفْيَانَ فَقَالَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ لِقُرَيْشٍ : قَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ، وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشَّيْبَ، وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ قُلْتُمْ: سَاحِرٌ! لَا وَاللَّهِ، مَا هُوَ بِسَاحِرٍ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنْهُ: مَا لَمَسَتْ يَدُهُ امْرَأَةً قَطُّ لَا يَمْلِكُ رِقَّهَا. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي وَصْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً. وَقَالَ فِي الصَّحِيحِ : «وَيْحَكَ فَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ، خِبْتُ، وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ». قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ : قَسَّمَ كِسْرَى أَيَّامَهُ، فَقَالَ: يَصْلُحُ يَوْمُ الرِّيحِ لِلنَّوْمِ، وَيَوْمُ الْغَيْمِ لِلصَّيْدِ، وَيَوْمُ الْمَطَرِ لِلشُّرْبِ، وَاللَّهْوِ، وَيَوْمُ الشَّمْسِ لِلْحَوَائِجِ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ : مَا كَانَ أَعْرَفَهُمْ بِسِيَاسَةِ دُنْيَاهُمْ، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الرُّومِ: 7] وَلَكِنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزَّأَ نَهَارَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، جُزْءًا لِلَّهِ، وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ النَّاسِ، فَكَانَ يَسْتَعِينُ بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ، وَيَقُولُ: «أَبْلِغُوا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغِي، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا أَمَّنَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ». وَعَنِ الْحَسَنِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْخُذُ أَحَدًا بِقَرْفِ أَحَدٍ، وَلَا يُصَدِّقُ أَحَدًا عَلَى أَحَدٍ. وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَلِيٍّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَمَمْتُ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْمَلُونَ بِهِ غَيْرَ مَرَّتَيْنِ، كُلُّ ذَلِكَ يَحُولُ اللَّهُ بَيْنِي، وَبَيْنَ مَا أُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ مَا هَمَمْتُ بِسُوءٍ حَتَّى أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ، قُلْتُ لَيْلَةً لِغُلَامٍ كَانَ يَرْعَى مَعِي: لَوْ أَبْصَرْتَ لِي غَنَمِي حَتَّى أَدْخُلَ مَكَّةَ فَأَسْمُرَ بِهَا كَمَا يَسْمُرُ الشَّبَابُ. فَخَرَجْتُ كَذَلِكَ حَتَّى جِئْتُ أَوَّلَ دَارٍ مِنْ مَكَّةَ سَمِعْتُ عَزْفًا بِالدُّفُوفِ، وَالْمَزَامِيرِ لِعُرْسِ بَعْضِهِمْ. فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ، فَضُرِبَ عَلَى أُذُنَيَّ فَنِمْتُ، فَمَا أَيْقَظَنِي إِلَّا مَسُّ الشَّمْسِ، فَرَجَعْتُ، وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا. ثُمَّ عَرَانِي مَرَّةً أُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ أَهِمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِسُوءٍ».
وَأَمَّا وَقَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَمْتُهُ، وَتُؤَدَتُهُ، وَمُرُوءَتُهُ، وَحُسْنُ هَدْيِهِ [فَحَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ الْحَافِظُ إِجَازَةً، وَعَارَضْتُ بِكِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الدِّلَائِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا اللُّؤْلُؤِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَامٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ] عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ وُهَيْبٍ: سَمِعْتُ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَوْقَرَ النَّاسِ فِي مَجْلِسِهِ، لَا يَكَادُ يُخْرِجُ شَيْئًا مِنْ أَطْرَافِهِ. وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ احْتَبَى بِيَدَيْهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ أَكْثَرُ جُلُوسِهِ لِلَّهِ مُحْتَبِيًا. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ تَرَبَّعَ، وَرُبَّمَا جَلَسَ الْقُرْفُصَاءَ، وَهُوَ فِي حَدِيثِ قَيْلَةَ، وَكَانَ كَثِيرَ السُّكُوتِ لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَّةٍ، يُعْرِضُ عَمَّنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ جَمِيلٍ، وَكَانَ ضَحِكُهُ تَبَسُّمًا، وَكَلَامُهُ فَضْلًا لَا فُضُولَ وَلَا تَقْصِيرَ، وَكَانَ ضَحِكُ أَصْحَابِهِ عِنْدَهُ التَّبَسُّمُ، تَوْقِيرًا لَهُ، وَاقْتِدَاءً بِهِ. مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ، وَحَيَاءٍ، وَخَيْرٍ، وَأَمَانَةٍ لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ، إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ. وَفِي صِفَتِهِ: يَخْطُو تَكَفُّؤًا، وَيَمْشِي هَوْنًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: إِذَا مَشَى مَشَى مُجْتَمِعًا، يُعْرَفُ فِي مِشْيَتِهِ أَنَّهُ غَيْرُ غَرَضٍ، وَلَا وَكِلٍ، أَيْ غَيْرِ ضَجِرٍ، وَلَا كَسْلَانَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : إِنَّ أَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: كَانَ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْتِيلٌ أَوْ تَرْسِيلٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي هَالَةَ : كَانَ سُكُوتُهُ عَلَى أَرْبَعٍ: عَلَى الْحِلْمِ، وَالْحَذَرِ، وَالتَّقْدِيرِ، وَالتَّفَكُّرِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ أَحْصَاهُ. وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الطِّيبَ، وَالرَّائِحَةَ الْحَسَنَةَ، وَيَسْتَعْمِلُهُمَا كَثِيرًا، وَيَحُضُّ عَلَيْهِمَا، وَيَقُولُ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ». وَمِنْ مُرُوءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهْيُهُ عَنِ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ، وَالْأَمْرِ بِالْأَكْلِ مِمَّا يَلِي، وَالْأَمْرِ بِالسِّوَاكِ، وَإِنْقَاءِ الْبَرَاجِمِ، وَالرَّوَاجِبِ، وَاسْتِعْمَالِ خِصَالِ الْفِطْرَةِ.
وَأَمَّا زُهْدُهُ فِي الدُّنْيَا فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَخْبَارِ أَثْنَاءَ هَذِهِ السِّيرَةِ مَا يَكْفِي. وَحَسْبُكَ مِنْ تَقَلُّلِهِ مِنْهَا، وَإِعْرَاضِهِ عَنْ زَهْرَتِهَا، وَقَدْ سِيقَتْ إِلَيْهِ بِحَذَافِيرِهَا، وَتَرَادَفَتْ عَلَيْهِ فُتُوحُهَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ، وَهُوَ يَدْعُو، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا». [حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ الْعَاصِي ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، وَالْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْجُلُودِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَبُو حُسَيْنٍ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزٍ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْطَاهُ مَا لَا يَخْطُرُ بِبَالٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: مَا شَبِعَ آلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ-. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً، وَلَا بَعِيرًا. وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ: مَا تَرَكَ إِلَّا سِلَاحَهُ، وَبَغْلَتَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَلَقَدْ مَاتَ، وَمَا فِي بَيْتِي شَيْءٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَطْرَ شَعِيرٍ فِي رَقٍّ لِي. وَقَالَ لِي: «إِنِّي عُرِضَ عَلَيَّ أَنْ تُجْعَلَ لِي بَطْحَاءُ مَكَّةَ ذَهَبًا. فَقُلْتُ: لَا يَا رَبِّ، أَجُوعُ يَوْمًا، وَأَشْبَعُ يَوْمًا، فَأَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي أَجُوعُ فِيهِ فَأَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ، وَأَدْعُوكَ، وَأَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي أَشْبَعَ فِيهِ فَأَحْمَدُكَ، وَأُثْنِي عَلَيْكَ». وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَجْعَلَ هَذِهِ الْجِبَالَ ذَهَبًا، وَتَكُونَ مَعَكَ حَيْثُمَا كُنْتَ، فَأَطْرَقَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ، وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، قَدْ يَجْمَعُهَا مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ». فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: ثَبَّتَكَ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: إِنَّا كُنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَنَمْكُثُ شَهْرًا مَا نَسْتَوْقِدُ نَارًا، إِنْ هُوَ إِلَّا التَّمْرُ، وَالْمَاءُ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ : هَلَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَشْبَعْ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ. وَعَنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبِيتُ هُوَ وَأَهْلُهُ اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا لَا يَجِدُونَ عَشَاءً. وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ وَلَا فِي سُكُرُّجَةٍ، وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ، وَلَا رَأَى شَاةً سَمِيطًا قَطُّ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمًا حَشْوُهُ لِيفٌ. وَعَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ مِسْحًا نَثْنِيهِ ثَنْيَتَيْنِ، فَيَنَامُ عَلَيْهِ، فَثَنَيْنَاهُ لَهُ لَيْلَةً بِأَرْبَعٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: مَا فَرَشْتُمُوا لِيَ اللَّيْلَةَ؟ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: رُدُّوهُ بِحَالِهِ فَإِنَّ وَطْأَتَهُ مَنَعَتْنِي اللَّيْلَةَ صَلَاتِي». وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ أَحْيَانًا عَلَى سَرِيرٍ مَزْمُولٍ بِشَرِيطٍ حَتَّى يُؤَثِّرَ فِي جَنْبِهِ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمْ يَمْتَلِئْ جَوْفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِبَعًا قَطُّ، وَلَمْ يَبُثَّ شَكْوَى إِلَى أَحَدٍ، وَكَانَتِ الْفَاقَةُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْغِنَى، وَإِنْ كَانَ لَيَظَلُّ جَائِعًا يَلْتَوِي طُولَ لَيْلَتِهِ مِنَ الْجُوعِ فَلَا يَمْنَعُهُ صِيَامُ يَوْمِهِ، وَلَوْ شَاءَ سَأَلَ رَبَّهُ جَمِيعَ كُنُوزِ الْأَرْضِ، وَثِمَارِهَا، وَرَغَدَ عَيْشِهَا، وَلَقَدْ كُنْتُ أَبْكِي لَهُ رَحْمَةً مِمَّا أَرَى بِهِ، وَأَمْسَحُ بِيَدِي عَلَى بَطْنِهِ مِمَّا بِهِ مِنَ الْجُوعِ، وَأَقُولُ: نَفْسِي لَكَ الْفِدَاءُ، لَوْ تَبَلَّغْتَ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يَقُوتُكَ! فَيَقُولُ: يَا عَائِشَةُ، مَا لِي، وَلِلدُّنْيَا، إِخْوَانِي مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ صَبَرُوا عَلَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا، فَمَضَوْا عَلَى حَالِهِمْ، فَقَدِمُوا عَلَى رَبِّهِمْ، فَأَكْرَمَ مَآبَهُمْ، وَأَجْزَلَ ثَوَابَهُمْ , فَأَجِدُنِي أَسْتَحْيِي إِنْ تَرَفَّهْتُ فِي مَعِيشَتِي أَنْ يُقَصِّرَ بِي غَدًا دُونَهُمْ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ اللُّحُوقِ بِإِخْوَانِي، وَأَخِلَّائِي». قَالَتْ: فَمَا أَقَامَ بَعْدُ إِلَّا شَهْرًا حَتَّى تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا خَوْفُهُ مِنْ رَبِّهِ، وَطَاعَتُهُ لَهُ، وَشِدَّةُ عِبَادَتِهِ، فَعَلَى قَدْرِ عِلْمِهِ بِرَبِّهِ، [وَلِذَلِكَ قَالَ فِيمَا حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَتَّابٍ قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّرَابُلْسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». زَادَ فِي رِوَايَتِنَا، عَنْ أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ رَفَعَهُ إِلَى أَبِي ذَرٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعْدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ» لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعَضَدُ. رُوِيَ هَذَا الْكَلَامُ " وَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ " مِنْ قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ نَفْسِهِ، وَهُوَ أَصَحُّ. وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ، وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟». وَنَحْوُهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ يُطِيقُ!. وَقَالَتْ: كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ. وَنَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَمِّ سَلَمَةَ، وَأَنَسٍ. وَقَالَ: كُنْتَ لَا تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ مُصَلِّيًا، وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ نَائِمًا. وَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ : كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَاسْتَاكَ ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ مَعَهُ، فَبَدَأَ فَاسْتَفْتَحَ الْبَقَرَةَ، فَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَمَكَثَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، يَقُولُ: سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ، وَالْمَلَكُوتِ، وَالْعَظْمَةِ، ثُمَّ سَجَدَ وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ ثُمَّ سُورَةً سُورَةً، يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ مِثْلُهُ، وَقَالَ: سَجَدَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، وَجَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَحْوًا مِنْهُ، وَقَالَ: حَتَّى قَرَأَ الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءَ، وَالْمَائِدَةَ. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَيْلَةً. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي، وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ. قَالَ ابْنُ أَبِي هَالَةَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ دَائِمَ الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ» وَرُوِيَ سَبْعِينَ مَرَّةً. وَعَنْ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سُنَّتِهِ، فَقَالَ: «الْمَعْرِفَةُ رَأْسُمَالِي، وَالْعَقْلُ أَصْلُ دِينِي، وَالْحُبُّ أَسَاسِي، وَالشَّوْقُ مَرْكَبِي، وَذِكْرُ اللَّهِ أَنِيسِي، وَالثِّقَةُ كَنْزِي، وَالْحُزْنُ رَفِيقِي، وَالْعِلْمُ سِلَاحِي، وَالصَّبْرُ رِدَائِي، وَالرِّضَا غَنِيمَتِي، وَالْعَجْزُ فَخْرِي، وَالزُّهْدُ حِرْفَتِي، وَالْيَقِينُ قُوَّتِي، وَالصِّدْقُ شَفِيعِي، وَالطَّاعَةُ حَسْبِي، وَالْجِهَادُ خُلُقِي، وَقُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ». وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «وَثَمَرَةُ فُؤَادِي فِي ذِكْرِهِ، وَغَمِّي لِأَجْلِ أُمَّتِي، وَشَوْقِي إِلَى رَبِّي- عَزَّ وَجَلَّ-».
اعْلَمْ- وَفَّقَنَا اللَّهُ، وَإِيَّاكَ- أَنَّ صِفَاتَ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ- صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ- مِنْ كَمَالِ الْخَلْقِ، وَحُسْنِ الصُّورَةِ، وَشَرَفِ النَّسَبِ، وَحُسْنِ الْخُلُقِ، وَجَمِيعِ الْمَحَاسِنِ، هِيَ هَذِهِ الصِّفَةُ، لِأَنَّهَا صِفَاتُ الْكَمَالِ. وَالْكَمَالُ وَالتَّمَامُ الْبَشَرِيُّ وَالْفَضْلُ الْجَمِيعُ لَهُمْ- صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ-، إِذْ رُتْبَتُهُمْ أَشْرَفُ الرُّتَبِ، وَدَرَجَاتُهُمْ أَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ، وَلَكِنْ فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [الْبَقَرَةِ: 253]. وَقَالَ: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الدُّخَانِ: 32]. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. ثُمَّ قَالَ آخِرَ الْحَدِيثِ: عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ». وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «رَأَيْتُ مُوسَى فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ ضَرْبٌ، رَجُلٌ أَقْنَى كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ، كَثِيرُ خِيلَانِ الْوَجْهِ، أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: مُبَطَّنٌ مِثْلَ السَّيْفِ، قَالَ: وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ بِهِ. وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي صِفَةِ مُوسَى: كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَعْدِ لُوطٍ نَبِيًّا إِلَّا فِي ذُرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ. وَيُرْوَى: فِي ثَرْوَةِ، أَيْ كَثْرَةٍ، وَمَنَعَةٍ. وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ قَتَادَةَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: مَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيًّا حَسَنَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الصَّوْتِ، وَكَانَ نَبِيُّكُمْ أَحْسَنُهُمْ وَجْهًا، وَأَحْسَنُهُمْ صَوْتًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي حَدِيثِ هِرَقْلَ: وَسَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَنْسَابِ قَوْمِهَا. وَقَالَ تَعَالَى فِي أَيُّوبَ: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44]. وَقَالَ تَعَالَى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مَرْيَمَ: 12]. وَقَالَ: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: 39]. وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ} [آلِ عِمْرَانَ: 33- 34] الْآيَتَيْنِ. وَقَالَ فِي نُوحٍ: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الْإِسْرَاءِ: 3]. وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى} إِلَى: {الصَّالِحِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: 45- 46]. وَقَالَ: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مَرْيَمَ: 30- 31]. وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} [الْأَحْزَابِ: 69] الْآيَةَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ مُوسَى رَجُلًا حَيِيًّا سَتِيرًا مَا يُرَى مِنْ جَسَدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً». الْحَدِيثُ. وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ: {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا} [الشُّعَرَاءِ: 21] الْآيَةَ. وَقَالَ فِي وَصْفِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الدُّخَانِ: 18]. وَقَالَ: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [الْقَصَصِ: 26]. وَقَالَ: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الْأَحْقَافِ: 35]. وَقَالَ: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا} [الْأَنْعَامِ: 84] إِلَى قَوْلِهِ {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الْأَنْعَامِ: 90]. فَوَصَفَهُمْ بِأَوْصَافٍ جَمَّةٍ مِنَ الصَّلَاحِ، وَالْهُدَى، وَالِاجْتِبَاءِ، وَالْحُكْمِ، وَالنُّبُوَّةِ. وَقَالَ: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذَّارِيَاتِ: 28]. وَقَالَ {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} إِلَى {أَمِينٌ} [الدُّخَانِ: 17- 18]. وَقَالَ: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصَّافَّاتِ: 102]. وَقَالَ فِي إِسْمَاعِيلَ: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مَرْيَمَ: 54] الْآيَتَيْنِ. وَفِي مُوسَى: {إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا} [مَرْيَمَ: 51]. وَفِي سُلَيْمَانَ: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30] الْآيَةَ. وَقَالَ: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}- إِلَى- {الْأَخْيَارِ}. [ص: 45- 46] وَفِي دَاوُدَ: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44]. ثُمَّ قَالَ: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20]. وَقَالَ عَنْ يُوسُفَ: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يُوسُفَ: 55]. وَفِي مُوسَى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الْكَهْفِ: 69]. وَقَالَ تَعَالَى عَنْ شُعَيْبٍ: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الْقَصَصِ: 27] وَقَالَ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هُودٍ: 88]. وَقَالَ: {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [الْأَنْبِيَاءِ: 74]. وَقَالَ: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الْأَنْبِيَاءِ: 90]. قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ الْحُزْنُ الدَّائِمُ فِي آيٍ كَثِيرَةٍ ذَكَرَ فِيهَا مِنْ خِصَالِهِمْ، وَمَحَاسِنِ أَخْلَاقِهِمُ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِهِمْ. وَجَاءَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ كَثِيرٌ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنُ الْكَرِيمِ، يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنُ نَبِيٍّ». وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ: «وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ، وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ». وَرُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ مَعَ مَا أُعْطِيَ مِنَ الْمُلْكِ لَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ تَخَشُّعًا، وَتَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى. وَكَانَ يُطْعِمُ النَّاسَ لَذَائِذَ الْأَطْعِمَةِ، وَيَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ. وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا رَأْسَ الْعَابِدِينَ، وَابْنَ مَحَجَّةِ الزَّاهِدِينَ. وَكَانَتِ الْعَجُوزُ تَعْتَرِضُهُ، وَهُوَ عَلَى الرِّيحِ فِي جُنُودِهِ، فَيَأْمُرُ الرِّيحَ فَتَقِفُ فَيَنْظُرُ فِي حَاجَتِهَا، وَيَمْضِي. وَقِيلَ لِيُوسُفَ: مَا لَكَ تَجُوعُ، وَأَنْتَ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ أَشْبَعَ فَأَنْسَى الْجَائِعَ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقُرْآنُ فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ، فَتُسْرَجُ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُسْرَجَ، وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سَبَأٍ: 10- 11]. وَكَانَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَرْزُقَهُ عَمَلًا بِيَدِهِ يُغْنِيهِ عَنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ: كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَكَانَ يَلْبَسُ الصُّوفَ، وَيَفْتَرِشُ الشَّعَرَ، وَيَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ بِالْمِلْحِ، وَالرَّمَادِ، وَيَمْزُجُ شَرَابَهُ بِالدُّمُوعِ، وَلَمْ يُرَ ضَاحِكًا بَعْدَ الْخَطِيئَةِ، وَلَا شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ، وَلَمْ يَزَلْ بَاكِيًا حَيَاتَهُ كُلَّهَا». وَقِيلَ: بَكَى حَتَّى نَبَتَ الْعُشْبُ مِنْ دُمُوعِهِ، وَحَتَّى اتَّخَذَتِ الدُّمُوعُ فِي خَدِهِ أُخْدُودًا. وَقِيلَ: كَانَ يَخْرُجُ مُتَنَكِّرًا يَتَعَرَّفُ سِيرَتَهُ، فَيَسْتَمِعُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، فَيَزْدَادُ تَوَاضُعًا. وَقِيلَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَوِ اتَّخَذْتَ حِمَارًا. قَالَ: أَنَا أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَشْغَلَنِي بِحِمَارٍ. وَكَانَ يَلْبَسُ الشَّعَرَ، وَيَأْكُلُ الشَّجَرَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْتٌ أَيْنَمَا أَدْرَكَهُ النَّوْمُ نَامَ. وَكَانَ أَحَبُّ الْأَسَامِي إِلَيْهِ أَنْ يُقَالَ لَهُ مِسْكِينٌ. وَقِيلَ: إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ كَانَتْ تُرَى خُضْرَةُ الْبَقْلِ فِي بَطْنِهِ مِنَ الْهُزَالِ. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَقَدْ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلِي يُبْتَلَى أَحَدُهُمْ بِالْفَقْرِ، وَالْقَمْلِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْعَطَاءِ إِلَيْكُمْ». وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِخِنْزِيرٍ لَقِيَهُ: اذْهَبْ بِسَلَامٍ. فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أُعَوِّدَ لِسَانَيِ الْمَنْطِقَ بِسُوءٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ طَعَامُ يَحْيَى الْعُشْبُ. وَكَانَ يَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى اتَّخَذَ الدَّمْعُ مَجْرًى فِي خَدِّهِ، وَكَانَ يَأْكُلُ مَعَ الْوَحْشِ لِئَلَّا يُخَالِطَ النَّاسَ. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ وَهْبٍ، أَنَّ مُوسَى كَانَ يَسْتَظِلُّ بِعَرِيشٍ، وَيَأْكُلُ فِي نُقْرَةٍ مِنْ حَجَرٍ، وَيَكْرَعُ فِيهَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ كَمَا تَكْرَعُ الدَّابَّةُ، تَوَاضُعًا لِلَّهِ بِمَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ كَلَامِهِ. وَأَخْبَارُهُمْ فِي هَذَا كُلِّهِ مَسْطُورَةٌ، وَصِفَاتُهُمْ فِي الْكَمَالِ، وَجَمِيلِ الْأَخْلَاقِ، وَحُسْنِ الصُّوَرِ، وَالشَّمَائِلِ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ، فَلَا نُطَوِّلُ بِهَا، وَلَا تَلْتَفِتْ إِلَى مَا تَجِدُهُ فِي كُتُبِ بَعْضِ جَهَلَةِ الْمُؤَرِّخِينَ، وَالْمُفَسِّرِينَ مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا.
قَدْ أَتَيْنَاكَ أَكْرَمَكَ اللَّهُ مِنْ ذِكْرِ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ، وَالْفَضَائِلِ الْمَجِيدَةِ، وَخِصَالِ الْكَمَالِ الْعَدِيدَةِ، وَأَرَيْنَاكَ صِحَّتَهَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَلَبْنَا مِنَ الْآثَارِ مَا فِيهِ مَقْنَعٌ، وَالْأَمْرُ أَوْسَعُ، فَمَجَالُ هَذَا الْبَابِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمْتَدٌّ، تَنْقَطِعُ دُونَ نَفَادِهِ الْأَدِلَّاءُ، وَبَحْرُ عِلْمِ خَصَائِصِهِ زَاخِرٌ لَا تُكَدِّرُهُ الدِّلَاءُ، وَلَكِنْ أَتَيْنَا فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ مِمَّا أَكْثَرَ فِي الصَّحِيحِ ، وَ الْمَشْهُورِ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ، وَاقْتَصَرْنَا فِي ذَلِكَ بِقِلٍّ مِنْ كُلٍّ وَغَيْضٍ مِنْ فَيْضٍ، وَرَأَيْنَا أَنْ نَخْتِمَ هَذِهِ الْفُصُولَ بِذِكْرِ حَدِيثِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هَالَةَ، لِجَمْعِهِ مِنْ شَمَائِلِهِ، وَأَوْصَافِهِ كَثِيرًا، وَإِدْمَاجِهِ جُمْلَةً كَافِيَةً مِنْ سِيَرِهِ، وَفَضَائِلِهِ، وَنَصِلُهُ بِتَنْبِيهٍ لِطَيْفٍ عَلَى غَرِيبِهِ، وَمُشْكِلِهِ. [حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ - رَحِمَهُ اللَّهُ- بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ التَّمِيمِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَكُمُ الْفَقِيهُ الْأَدِيبُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ النَّيْسَابُورِيُّ ، وَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمُحَمَّدِيُّ ، وَ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ الْوَحْشِيُّ ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْخُزَاعِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى سَوْرَةُ الْحَافِظُ ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ إِمْلَاءً مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مَنْ بَنِي تَمِيمٍ مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: سَأَلْتُ خَالِيَ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَقَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي طَاهِرٍ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ خُذَادَادَا الْكَرْجِيِّ الْبَاقِلَّانِيِّ ، قَالَ: وَأَجَازَ لَنَا الشَّيْخُ الْأَجَلُّ أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خَيْرُونَ ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ مِهْرَانَ الْفَارِسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ أَخِي طَاهِرٍ الْعَلَوِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، قَالَ]: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ، وَاللَّفْظُ لِهَذَا السَّنَدِ: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ عَنْ حِلْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ وَصَّافًا، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ، وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ، عَظِيمَ الْهَامَةِ، رَجِلَ الشَّعْرِ، إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَقَ، وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، إِذَا هُوَ وَفَّرَهُ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، وَاسِعَ الْجَبِينِ، أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ، سَوَابِغَ مِنْ غَيْرِ قَرْنٍ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ، أَقْنَى الْعِرْنِينِ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ، وَيَحْسِبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، أَدْعَجَ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعَ الْفَمِ أَشْنَبَ، مُفَلَّجَ الْأَسْنَانِ دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ، مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ، بَادِنًا، مُتَمَاسِكًا، سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، مُشِيحُ الصَّدْرِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، أَنْوَرَ الْمُتَجَرِّدِ، مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ، وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ، عَارِيَ الثَّدْيَيْنِ مَا سِوَى ذَلِكَ، أَشَعَرَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِيَ الصَّدْرِ، طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ، رَحْبَ الرَّاحَةِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِلَ الْأَطْرَافِ أَوْ قَالَ: سَائِنَ الْأَطْرَافِ وَسَائِرَ الْأَطْرَافِ، سَبْطَ الْعَصَبِ، خَمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ، مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ، يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ، إِذَا زَالَ زَالَ تَقَلُّعًا، وَيَخْطُو تَكَفُّؤًا، وَيَمْشِي هَوْنًا، ذَرِيعَ الْمِشْيَةَ، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا، خَافِضَ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ، يَسُوقُ أَصْحَابَهُ، وَيَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ. قُلْتُ: صِفْ لِي مَنْطِقَهُ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ دَائِمَ الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَّةٍ، طَوِيلَ السُّكُوتِ، يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ، وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ فَضْلًا، لَا فُضُولَ فِيهِ، وَلَا تَقْصِيرَ، دَمِثًا لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمَهِينِ، يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ، وَإِنْ دَقَّتْ، لَا يَذُمُّ شَيْئًا، لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ ذَوَاقًا، وَلَا يَمْدَحُهُ، وَلَا يُقَامُ لِغَضَبِهِ إِذَا تَعَرَّضَ لِلْحَقِّ بِشَيْءٍ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ، وَلَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا، إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا، وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا، فَضَرَبَ بِإِبْهَامِهِ الْيُمْنَى رَاحَتَهُ الْيُسْرَى، وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ، وَأَشَاحَ، وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، وَيَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ. قَالَ الْحَسَنُ : فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنُ: فَكَتَمْتُهَا عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ زَمَانًا، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَسَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَخْرَجِهِ، وَمَجْلِسِهِ، وَشَكْلِهِ، فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ الْحُسَيْنُ : سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءًا لِلَّهِ وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ النَّاسِ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ، وَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا، فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ وَقِسْمَتُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ، مِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ، وَيَشْغَلُهُمْ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَالْأُمَّةَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ، وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ، وَيَقُولُ: «لِيُبْلِغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغِي حَاجَتَهُ، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ : يَدْخُلُونَ رُوَادًا، وَلَا يَتَفَرَّقُونَ إِلَّا عَنْ خَوَاقٍ، وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً يَعْنِي فُقَهَاءَ. قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِمْ، وَيُؤَلِّفُهُمْ، وَلَا يُفَرِّقُهُمْ، يُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ، وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيَحْذَرُ النَّاسَ، وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ، وَخُلُقَهُ، وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ، وَيُصَوِّبُهُ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ، وَيُوهِنُهُ، مُعْتَدِلَ الْأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ، لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمَلُّوا، لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ، لَا يَقْتَصِرُ عَنِ الْحَقِّ، وَلَا يُجَاوِزُهُ إِلَى غَيْرِهِ، الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً، وَمُوَازَرَةً. فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ: عَمَّا كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ. فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْلِسُ، وَلَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى ذِكْرٍ، وَلَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ، وَيُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ حَتَّى لَا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ فِيهِ. مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ لِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ عَنْهُ. مَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ. قَدْ وَسِعَ النَّاسَ بَسْطُهُ، وَخُلُقُهُ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، مُتَقَارِبِينَ مُتَفَاضِلِينَ فِيهِ بِالتَّقْوَى. وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: صَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ، وَحَيَاءٍ، وَصَبْرٍ، وَأَمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ، وَلَا تُثْنَى فَلَتَاتُهُ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ، مِنْ غَيْرِ الرِّوَايَتَيْنِ. يَتَعَاطَوْنَ فِيهِ بِالتَّقْوَى مُتَوَاضِعِينَ، يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ، وَيَرْفِدُونَ ذَا الْحَاجَةِ، وَيَرْحَمُونَ الْغَرِيبَ. فَسَأَلْتُهُ عَنْ سِيرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُلَسَائِهِ. فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ، وَلَا فَحَّاشٍ، وَلَا عَيَّابٍ، وَلَا مَدَّاحٍ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي، وَيُؤَيِّسُ مِنْهُ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: الرِّيَاءِ، وَالْإِكْثَارِ، وَمَا لَا يَعْنِيهِ، وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا، وَلَا يُعَيِّرُهُ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا يَرْجُو ثَوَابَهُ، إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ، إِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا، لَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ. مَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرَغَ، حَدِيثُهُمْ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي الْمَنْطِقِ، وَيَقُولُ: «إِذَا رَأَيْتُمْ صَاحِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ» وَلَا يَطْلُبُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ، وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَتَجَوَّزَهُ فَيَقْطَعَهُ بِانْتِهَاءٍ أَوْ قِيَامٍ. هُنَا انْتَهَى حَدِيثُ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ. وَزَادَ الْآخَرُ: كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: كَانَ سُكُوتُهُ عَلَى أَرْبَعٍ: الْحِلْمُ، وَالْحَذَرُ، وَالتَّقْدِيرُ، وَالتَّفَكُّرُ. فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ، وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ. وَأَمَّا تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى، وَيَفْنَى. وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّبْرِ، فَكَّانِ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ يَسْتَفِزُّهُ، وَجُمِعَ لَهُ فِي الْحَذَرِ أَرْبَعٌ: أَخْذُهُ بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى بِهِ، وَتَرْكُهُ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ، وَاجْتِهَادُ الرَّأْيِ بِمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ، وَالْقِيَامُ لَهُمْ بِمَا جَمَعَ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. انْتَهَى الْوَصْفُ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَعَوْنِهِ.
فِي تَفْسِيرِ غَرِيبِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَمُشْكِلِهِ قَوْلُهُ: الْمُشَذَّبُ، أَيِ الْبَائِنُ الطُّولِ فِي نَحَافَةٍ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْمُمَغَّطِ. وَالشَّعَرُ الرَّجِلُ: الَّذِي كَأَنَّهُ مُشِّطَ فَتَكَسَّرَ قَلِيلًا، لَيْسَ بِبَسْطٍ، وَلَا جَعْدٍ. وَالْعَقِيقَةُ: شَعْرُ الرَّأْسِ، أَرَادَ إِنِ انْفَرَقَتْ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهَا فَرَقَهَا، وَإِلَّا تَرَكَهَا مَعْقُوصَةً. وَيُرْوَى: عَقِيصَتُهُ. وَأَزْهَرُ اللَّوْنِ: نَيِّرُهُ، وَقِيلَ: أَزْهَرٌ: حَسَنٌ. وَمِنْهُ زَهْرَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، أَيْ زِينَتُهَا. وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ، وَلَا بِالْآدَمِ. وَالْأَمْهَقِ: هُوَ النَّاصِعُ الْبَيَاضِ. وَالْآدَمُ: الْأَسْمَرُ اللَّوْنِ. وَمِثْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَيْ فِيهِ حُمْرَةٌ. وَالْحَاجِبُ الْأَزَجُّ: الْمُقَوَّسُ الطَّوِيلُ الْوَافِرُ الشَّعْرِ. وَالْأَقْنَى: السَّائِلُ الْأَنْفِ، الْمُرْتَفِعُ، وَسَطُهُ. وَالْأَشَمُّ: الطَّوِيلُ قَصَبَةِ الْأَنْفِ. وَالْقَرْنُ: اتِّصَالُ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ. وَضِدُّهُ الْبَلْجُ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ وَصْفُهُ بِالْقَرْنِ. وَالْأَدْعَجُ: الشَّدِيدُ سَوَادِ الْحَدَقَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: أَشْكَلُ الْعَيْنِ، وَأَسْجَرُ الْعَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي فِي بَيَاضِهَا حُمْرَةٌ. وَالضَّلِيعُ: الْوَاسِعُ. وَالشَّنَبُ: رَوْنَقُ الْأَسْنَانِ وَمَاؤُهَا. وَقِيلَ: رِقَّتُهَا، وَتَحْزِينٌ فِيهَا، كَمَا يُوجَدُ فِي أَسْنَانِ الشَّبَابِ. وَالْفَلَجُ: فَرْقٌ بَيْنَ الثَّنَايَا. وَدَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ: خَيْطُ الشَّعْرِ الَّذِي بَيْنَ الصَّدْرِ، وَالسُّرَّةِ. بَادِنٌ: ذُو لَحْمٍ مُتَمَاسِكٍ، مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ، يُمْسِكُ بَعْضُهُ بَعْضًا، مِثْلَ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: لَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ، وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ، أَيْ لَيْسَ بِمُسْتَرْخِي اللَّحْمِ. وَالْمُكَلْثَمُ: الْقَصِيرُ الذَّقَنِ. وَسَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ: أَيْ مُسْتَوِيهِمَا. مُشِيحُ الصَّدْرِ، إِنْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فَتَكُونُ مِنَ الْإِقْبَالِ، وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِي [أَشَاحَ]، أَيْ أَنَّهُ كَانَ بَادِيَ الصَّدْرِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي صَدْرِهِ قَعَسٌ، وَهُوَ تَطَامُنٌ فِيهِ، وَبِهِ يَتَّضِحُ قَوْلُهُ قَبْلُ: سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، أَيْ لَيْسَ بِمُتَقَاعِسِ الصَّدْرِ، وَلَا مُفَاضِ الْبَطْنِ. وَلَعَلَّ اللَّفْظَ: مَسِيحٌ بِالسِّينِ، وَفَتْحِ الْمِيمِ، بِمَعْنَى عَرِيضٍ، كَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. وَحَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ. وَالْكَرَادِيسُ: رُءُوسُ الْعِظَامِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: جَلِيلُ الْمُشَاشِ، وَالْكَتَدِ. وَالْمُشَاشُ: رُءُوسُ الْمَنَاكِبِ. وَالْكَتَدُ: مُجْتَمَعُ الْكَتِفَيْنِ. وَشَثْنُ الْكَفَّيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ: لَحِيمُهُمَا. وَالزَّنْدَانِ: عَظْمَا الذِّرَاعَيْنِ. وَسَائِلُ الْأَطْرَافِ: أَيْ طَوِيلُ الْأَصَابِعِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ أَنَّهُ رُوِيَ سَائِلُ الْأَطْرَافِ، وَقَالَ: سَائِنٌ بِالنُّونِ، قَالَ: وَهُمَا بِمَعْنًى، تُبْدَلُ اللَّامُ مِنَ النُّونِ، إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِهَا. وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: وَسَائِرُ الْأَطْرَافِ فَإِشَارَةٌ إِلَى فَخَامَةِ جَوَارِحِهِ، كَمَا وَقَعَتْ مُفَصَّلَةً فِي الْحَدِيثِ. وَرَحْبُ الرَّاحَةِ، أَيْ وَاسِعُهَا، وَقِيلَ: كَنَّى بِهِ عَنْ سِعَةِ الْعَطَاءِ، وَالْجُودِ. وَخَمْصَانُ الْأَخْمَصَيْنِ: أَيْ مُتَجَافِي أَخْمَصَ الْقَدَمِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي لَا تَنَالُهُ الْأَرْضُ مِنْ وَسَطِ الْقَدَمِ. مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ: أَيْ أَمْلَسُهُمَا، وَلِهَذَا قَالَ: يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ خِلَافُ هَذَا، قَالَ فِيهِ: إِذَا وَطِئَ بِقَدَمِهِ، وَطِئَ بِكُلِّهَا، لَيْسَ لَهُ أَخْمَصٌ. وَهَذَا يُوَافِقُ مَعْنَى قَوْلِهِ: مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ، وَبِهِ قَالُوا: سُمِّيَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْمَصٌ. وَقِيلَ مَسِيحٌ: لَا لَحْمَ عَلَيْهِمَا. وَهَذَا أَيْضًا يُخَالِفُ قَوْلَهُ: شَثْنَ الْقَدَمَيْنِ. وَالتَّقَلُّعُ: هُوَ رَفْعُ الرِّجْلِ بِقُوَّةٍ. وَالتَّكَفُّؤُ: الْمَيْلُ إِلَى سَنَنِ الْمَمْشَى وَقَصْدِهِ. وَالْهَوْنُ: الرِّفْقُ، وَالْوَقَارُ. وَالذَّرِيعُ: الْوَاسِعُ الْخَطْوِ، أَيْ إِنَّ مَشْيَهُ كَانَ يَرْفَعُ فِيهِ رِجْلَيْهِ بِسُرْعَةٍ، وَيَمُدُّ خَطْوَهُ، خِلَافَ مِشْيَةِ الْمُخْتَالِ، وَيَقْصِدُ سِمَتَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِرِفْقٍ، وَتَثَبُّتٍ دُونَ عَجَلَةٍ، كَمَا قَالَ: كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ. وَقَوْلُهُ: يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ، وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ: أَيْ لِسَعَةِ فَمِهِ. وَالْعَرَبُ تَتَمَادَحُ بِهَذَا، وَتَذُمُّ بِصِغَرِ الْفَمِ. وَأَشَاحَ: مَالَ وَانْقَبَضَ , وَحَبُّ الْغَمَامِ: الْبَرَدُ. وَقَوْلُهُ: فَيَرُدُّ ذَلِكَ بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ، أَيْ جَعَلَ مِنْ جُزْءِ نَفْسِهِ مَا يُوصِلُ الْخَاصَّةَ إِلَيْهِ فَتُوصِلُ عَنْهُ لِلْعَامَّةِ. وَقِيلَ: يُجْعَلُ مِنْهُ لِلْخَاصَّةِ، ثُمَّ يُبَدِّلُهَا فِي جُزْءٍ آخَرَ بِالْعَامَّةِ. وَيَدْخُلُونَ رُوَادًا، أَيْ مُحْتَاجِينَ إِلَيْهِ، وَطَالِبِينَ لِمَا عِنْدَهُ. وَلَا يَتَفَرَّقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ: قِيلَ: عَنْ عِلْمٍ يَتَعَلَّمُونَهُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَيْ فِي الْغَالِبِ وَالْأَكْثَرِ. وَالْعَتَادُ: الْعِدَّةُ، وَالشَّيْءُ الْحَاضِرُ الْمُعَدُّ. وَالْمُوَازَرَةُ: الْمُعَاوَنَةُ. وَقَوْلُهُ: لَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ، أَيْ لَا يَتَّخِذُ لِمُصَلَّاهُ مَوْضِعًا مَعْلُومًا. وَقَدْ وَرَدَ نَهْيُهُ عَنْ هَذَا مُفَسَّرًا فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَصَابَرَهُ: أَيْ حَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ صَاحِبُهُ. وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ: أَيْ لَا يُذْكَرْنَ فِيهِ بِسُوءٍ. وَلَا تُثْنَى فَلَتَاتُهُ: أَيْ لَا يُتَحَدَّثُ بِهَا، أَيْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَلْتَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَحَدٍ سُتِرَتْ. وَيَرْفِدُونَ: يُعِينُونَ. وَالسَّخَّابُ: الْكَثِيرُ الصِّيَاحِ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ. قِيلَ مُقْتَصِدٍ فِي ثَنَائِهِ، وَمَدْحِهِ. وَقِيلَ: إِلَّا مِنْ مُسْلِمٍ. وَقِيلَ: إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ عَلَى يَدٍ سَبَقَتْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ. وَيَسْتَفِرُّهُ: يَسْتَحِقُّهُ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي وَصْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْهُوسُ الْعَقِبِ، أَيْ قَلِيلُ لَحْمِهَا. وَأَهْدَبُ الْأَشْفَارِ: أَيْ طَوِيلُ شَعْرِهَا.
الفصل الْأَوَّلُ: فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ. الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي تَفْضِيلِهِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ مِنَ الْمُنَاجَاةِ وَالرُّؤْيَةِ. الْفَصْلُ الثَّالِثُ: ثُمَّ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْعُلَمَاءُ هَلْ كَانَ إِسْرَاءٌ بِرُوحِهِ أَوْ جَسَدِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَقَالَاتٍ. الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي إِبْطَالِ حُجَجِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا نَوْمٌ. الْفَصْلُ الْخَامِسُ: وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ؛ فَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهَا فَأَنْكَرَتْهُ عَائِشَةُ. الْفَصْلُ السَّادِسُ: وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ مُنَاجَاتِهِ تَعَالَى وَكَلَامِهِ مَعَهُ بِقَوْلِهِ. الْفَصْلُ السَّابِعُ: وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَظَاهِرِ الْآيَةِ: الْفَصْلُ الثَّامِنُ: فِي ذِكْرِ تَفْضِيلِهِ فِي الْقِيَامَةِ بِخُصُوصِ الْكَرَامَةِ. الْفَصْلُ التَّاسِعُ: فِي تَفْضِيلِهِ بِالْمَحَبَّةِ وَالْخِلَّةِ. الْفَصْلُ الْعَاشِرُ: فِي تَفْضِيلِهِ بِالشَّفَاعَةِ وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ. الْفَصْلُ الْحَادِي عَشَرَ: فِي تَفْضِيلِهِ فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ. الْفَصْلُ الثَّانِي عَشَرَ: فِي بَيَانِ شُبْهَةٍ تَرِدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الْفَصْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ: فِي أَسْمَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ فَضِيلَتِهِ. الْفَصْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ: فِي تَشْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِمَا سَمَّاهُ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَوَصَفَهُ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ الْعُلَا. الْفَصْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ.
|